إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
محاضرة بعنوان شكر النعم (3)
6684 مشاهدة
نعمة العلم

كذلك منها -أيضا- نعمة رابعة: وهي نعمة العلم؛ الذي يسر الله تعالى أسبابه. لقد كان قبل ستين أو سبعين سنة يغلب على البوادي، وعلى سكان القرى: الجهل والأمية، وعدم العلم بشيء من الأحكام، وعدم قراءة القرآن أو السنة أو غيرها مما هو من دين الله تعالى. فكان أهلهم يبلغ الستين أو السبعين من عمره وهو لا يحسن أن يتطهر، ولا يعرف نواقض الوضوء، ولا يعرف كيفية الصلاة، جهل قد عمَّ في تلك القرى، وفي تلك المدن؛ وذلك لأنه لم يأتهم من يبصرهم، وأيضا فإنهم لم يكن لهم اهتمام بما يحتاجون إليه من العلم، وأيضا فإنهم ليس لهم شغل إلا الشغل في أموالهم، منشغل كل منهم بحرفته أو بتجارته أو بماشيته أو بحراثته، فأن ومتى يتفرغون للتعلم؟.
ثم وفق الله تعالى ملوك هذه البلاد فنشروا العلم، وبثوه في أرجاء البلاد؛ حتى في البلاد الخارجة، ففتحوا المدارس العلمية، المدارس ليلية ونهارية، ابتدائية وثانوية، وفتحوا المعاهد العلمية التي يدرس فيها ويتخرج منها إمام يحمل العلم النافع، وفتحوا أيضا الجامعات الإسلامية والتي يتفوق مخرج.. الخريجون منها على خريجي الأزهر وغيره من الجامعات القديمة، فأخرجت علماء جهابذة، وتعلم فيها الخلق الكثير؛ بل عم ذلك الذكور والإناث، وكل ذلك فضل من الله تعالى، ثم توفيق لدولتنا -أرشدها الله تعالى وأيدها-.
فما بقي لأحد عذر في أن يتعلم؛ بل ليس يحق له أن يبقى على الجهل؛ مع وسائل العلم؛ بل تنوعت وسائل العلم والحمد لله، فمن ذلك: أنهم تعلموا اللغة العربية التي هي لغة القرآن والسنة، تعلموها بالسماع، وتعلموها من القرآن، وتعلموها من الأحاديث، وتنوعت الوسائل التي يتعلمون بواسطتها.
فالحمد لله أنه ليس هناك وسيلة إلا غالبا وفيها وسيلة إلى العلم، أن تتعلم من الكتب فقد تيسرت، وطبعت الحكومة القرآن، وأكثرت من نسخه في الداخل والخارج؛ حيث مجمع خادم الحرمين -وفقه الله- يدفع أو يطبع كل يوم مئات وألوف من المصاحف وتفرق في الخارج والداخل، بينما كنا قبل خمسين سنة أو ستين سنة يعوذنا أن نجد المصحف الذي نقرأ فيه، فأما الآن فإنها بالألوف وبمئات الألوف وألوف الألوف، والحمد لله على هذه النعمة.
وكذلك –أيضا- تيسرت الكتب التي يقرأ فيها، ويستفاد منها، كتب حديث، وكتب شروح، وكتب تفاسير، وكتب آداب، وكتب أخلاق، وكتب علوم دينية، وكتب تواريخ، فأصبحت في متناول الأيدي، من أرادها فليس دونها شيء، منها ما هو أوقافا توزعه الحكومة بدون ثمن، أو تطبعه الحكومة وغيرها من الأثرياء على نفقاتهم وقفًا لله تعالى، بدل ما كانت الكتب قليلة إنما تحصل لأفراد من الناس. لا شك أن هذا كله من توفيق الله -سبحانه وتعالى- لهذه الدولة ولمواطنيها.
كذلك –أيضا- يتعلم أحدنا بوسائل عديدة: فيتعلم بالسماع من الإذاعة، الإذاعة الإسلامية التي تبث علوما دينية، ويتعلموا دراسة الطب ... ليتصلوا بمن يريدون في الداخل والخارج، فيسأل عن دينه، وليس في ذلك صعوبة، ويتعلموا من الأشرطة الإسلامية التي يسجل فيها من العلوم ما يفيده وما يستفيد منه، وكذلك بقية الوسائل. لا شك أن هذا –أيضا- من نعمة الله تعالى علينا، نشكر الله ونحمده على هذه النعمة؛ التي هي نعمة العلم، بدل ما كان آباؤنا وأجدادنا يشتكون من قلة المعلمين، ومن كثرة الجهل.
فهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى؛ الذي هو علمنا قال الله تعالى: وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وقال تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ أي: يسر تعليمه؛ فلذلك نتواصى بأن نبذل الجهد في التعلم؛ لوجود وسائله وسهولتها، فنتعلم القرآن -لفظه ومعناه- ونعمل به؛ فإن ذلك هو المطلوب منا، يقول بعض السلف: أنزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس قراءته عملا. لا شك أيضا أن قراءة القرآن عمل يثاب عليه، ويكون فيه أجرا؛ ولكن نتعلم مع ذلك معانيه التي احتوى عليها حتى نفهمه؛ وحتى نعرف ما يهدف إليه قرآننا الذي أنزله الله تعالى علينا، والذي عظم شأنه؛ لقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى أي- لكان هذا القرآن، ويقول تعالى: لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ .
كذلك –أيضا- نتعلم سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فالسنة تفسر القرآن وتبينه، وتدل عليه، وتعبر عنه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أمره الله تعالى ببيان ما أنزل إليه، أنزل عليه قول الله تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فأمره بأن يبين للناس السنة التي أنزلت إليهم؛ حتى يعملوا بها؛ وحتى يطبقوها ويكونون على بصيرة من دينهم، والوسائل متوفرة والحمد لله، فهذه من أفضل نعم الله سبحانه: نعمة العلم الذي من حازه فإنه من أفضل السابقين، قال الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ الجواب: لا يستوون، ثم أيضا مدح أهله الذين يحملونه، الذين يحملون القرآن ويحملون الأحاديث التي يحفظونها ويعملون بها، مدحهم بأنهم الذين يخافون ربهم ويعبدونه، قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ أي: لا يخشاه حق الخشية إلا أهل العلم.
أما الجهلة فإنهم يتخبطون في الجهل، ويتخبطون في العمل، ويقعون في مخالفات، ويقعون في معاصي، يحملهم عليها: الجهل بآيات الله، والجهل بأحكامه، والجهل بوعده ووعيده، فإذا تعلم الإنسان ما يهتدي به سلك سبيل أهل النعم، طريق المنعم عليهم، صراط الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ .